الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

عندي لغز يا ثوار ..
يحكي عن خمسة أشرار ..
 ...


الأول يبدو سباكاً .. والثاني ساقٍ في بار ..


والثالث يعمل مجنوناً في حوش من غير جدار ..

والرابع في الصورة بشرٌ لكنْ في الواقع بشار ..

أما الخامس يا للخامس شيء مختلف الأطوار ..

سباك؟ كلا .. مجنونٌ ؟ كلا .. سَقَّاءٌ ؟ بشار ؟

لا أعرفُ، لكني أعرفُ أنَّكَ تعرِفُهُ مَكَّار ..

جاء الخمسة من صحراءٍ سكنوا بيتاً بالإيجار ..

جاءوا عطشى جوعى هلكى كلٌّ منهم حافٍ عار ..

يكسوهم بؤسُ الفقراءِ يعلوهم قَتَرٌ وغُبَار ..

رَبُّ البيتِ لطيفٌ جِدّاً أسَكّنهم في أعلى الدار ..

واختار البَدْرُومَ الأسفل والمنزلُ عَشْرَةُ أَدْوَار ..

هو يملك أَرْبَعَ بَقَرَاتٍ ولديه ثلاثةُ آبار ..

أسرتُهُ: الأمُّ، مع الزوجةِ وله أطفالٌ قُصّار ..

مرتاحٌ جداً، وكريمٌ وعليه بهاء ووقار ..

مرّتْ عَشَرَاتُ السنواتِ لم يطلبْ منهم دينار ..

طلبوا منه الماءَ الباردَ واللحمَ مع الخبز الحارّْ ..

أعطاهم كَرَماً؛ فأرادوا الـ آبارَ، وَحَلْبَ الأبقار ..

أعطاهم؛ فأرادوا الْمِنْخَلَ والسِّكِّينةَ والعَصَّارْ ..

أعطاهم حتى لم يتركْ إلا أوعيةَ الفخَّار ..

طلبوا الفخارَ، فأعطاهم طلبوه أيضاً؛ فاحتار ..

خجِلَ المالكُ أنْ يُحرِجَهم فاستأذنهم في مِشْوار ..

خرج المالكُ من منزله ومضى يعمل عند الجار ..

ليوفر للضيفِ الساكنِ والأسرةِ ثَمَنَ الإفطار ..

سَرَقَ الخمْسَةُ قُوتَ الأسرةِ واتَّهَمُوا الطِّفْلَةَ {أبرار} ..

ثم رأَوْا أن تُنْفَى الأسرةُ واتخذوا في الأمرِ قرارْ ..

طردوا الأسرة من منزلها ثم أقاموا حفلةَ زَارْ ..

أكلوا شرِبوا سَكِرُوا رَقَصُوا ضربوا الطَّبْلَةَ والمزمار ..

باعوا الماءَ وغازَ المنزلِ وابتاعوا جُزُراً وبِحَار ..

وأقاموا مدناً وقُصُوراً وحدائقَ فيها أنهار ..

وتنامَتْ ثرْوَتُهم حتى صاروا تُجَّارَ التُّجَّار ..

حَزِنَ المالكُ مِنْ فِعْلَتِهِمْ وَشَكَا لِلْجِيرَةِ ما صَار ..

قالوا :{أَنْتَ أَحَقُّ بِبَيْتَكَ والأُسْرَةُ أَوْلَى بالدار} ..

فمضى نحو المنزل يسعى واستدعى الخمسةَ وَأَشَارْ ..

خاطَبَهُمْ بِاللُّطْفِ :
{كَفَاكُمْ في المنزل فوضى ودمار أحسنت إليكم فأسأتم}؛

فأجابوا:
{أُسْكُتْ يا مهذار لا تفتحْ موضوعَ المنزلِ أوْ نَفْتَحَ في رأسِكَ غارْ} ..

فانتفضَ المالكُ إعصاراً وانفجرُ البركانُ وثار ..

أمَّا الأَوَّلُ: فَهِمَ الْقِصَّة؛َ فاستسلَمَ للريح وطار ..

والثاني: فكَّرَ أنْ يبقَى وتحدَّى الثورةَ؛ فانْهَارْ ..

فاستقبَلَهُ السِّجْنُ بِشَوْقٍ فِذٍّ هُوَ والإبِنْ البارّْ ..

والثالثُ: مجنونٌ طَبْعاً قال بِزَهْوٍ واسْتِهْتَارْ:
{أنا خَالِقُكُمْ وسَأَتْبَعُكُمْ زَنْقَهْ زنقه .. دارْ دارْ} ..

أَرْغَى أَزْبَدَ هَدَّدَ أَوْعَدَ وَأَخِيراً: يُقْبَضُ كالفار ..

ولقدْ ظَهَرَتْ في مَقْتَلِهِ آياتٌ لأولي الأبصار ..

والرابع والخامس أيضاً دَوْرُ الشُّؤْمِ عَلَيْهِمْ دَارْ ..

لم يَعْتَبِرُوا، لَكِنْ صَارُوا فيها كَجُحَا والمسمار ..

اُخْرُجْ يا هذا من داري ! {لنْ أخرجَ إلا بحوار} ..

إرْحَلْ هذي داري إِرْحَلْ ! {لن أرحلَ إلا بالدَّار ..

إمَّا أنْ تَتْبَعَ مِسْماري أوْ أنْ أُضْرِمَ فيها النار} ..

فاللغزُ إذنْ يا إخوتنا عقلي في مُشْكِلِهِ حَارْ ..

هل نعطي الدارَ لمالكها ؟! أم نعطي رَبَّ المسمار ؟!

هل لوْ قُتِلَ المالِكُ فيها هُوَ في الجنةِ، أم في النار ؟!

هل في قول المالك: {إرحَلْ يا غاصبُ} عَيْبٌ أوْ عار !؟

هل لُغْزِي هذا مَفْهُومٌ ؟!
مَنْ لم يفهمْ فهو : .........!!

الشاعر : أحمد مطر ...

الجمعة، 12 أكتوبر 2012

قصة بيت من الشعر العربي ..
--------------------------

"لقد ذهب الحمار بأم عمرو ..
 فما رجعت ولا رجع الحمار .."
 ** 
قال الجاحظ في كتاب المستطرف في كل فن مستظرف: ألّفت كتاباً في نوادر المعلمين وما هم عليه من التغفل، ثم رجعتُ عن ذلك، وعزمت على تقطيع ذلك الكتاب .. فدخلتُ يوماً مدينة فوجدتُ فيها معلماً في هيئة حسنة .. فسلمتُ عليه، فرد علىّ أحسن رد ورحب بي .. فجلستُ عنده وباحثته في القران، فإذا هو ماهر فيه، ثم فاتحته بالفقه والنحو وعلم المنقول وأشعار العرب فإذا هو كامل الأدب .
فقلت : هذا والله مما يقوي عزمي على تقطيع الكتاب .. ثم أردف، فكنتُ أختلف إليه وأزوره .. فجئتُ يوماً لزيارته فإذا بالكُتّاب "محل عمله" مغلق، ولم أجده .. فسألت عنه فقيل لي مات له ميت فحزن عليه وجلس في بيته للعزاء ..

فذهبتُ إلى بيته وطرقتُ الباب فخرجتْ إليّ جارية ... وقالت لي: ما تريد ؟ قلت : سيدك ! . . فدخلتْ وخرجتْ ..
ثم قالت: باسم الله (أي تفضل)، فدخلت إليه، وإذا به جالس ..

فقلت: عظّم الله أجرك، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، كل نفس ذائقة الموت فعليك بالصبر، ثم قلت له: هذا الذي توفى لك أهو ولدك ؟ قال : لا ، قلت : فوالدك ؟ قال: لا ، قلت: فأمك ؟ قال: لا ، قلت: فزوجتك ؟ قال: لا ، فقلت: وما هو منك ؟......
قال : حبيبتي .. فقلت في نفسي هذه أوّل المناحس .. فقلت: سبحان الله النساء كثير وستجد غيرها ...
فقال : أتظن أني رأيتها ؟ .. قلت في نفسي هذه منحسة ثانية، ثم قلت: وكيف عشقت من لم ترى ؟...
فقال: إعلم أني كنت جالساً في هذه المكان، وأنا أنظر من الطاقة "فتحة يُرى منها من بالخارج"، إذ رأيت رجلاً عليه برد وهو يقول :


يا أم عمـرو جزاك الله مكرمة .. ردي عليّ فؤادي أينما كانــا ..
لا تأخذين فـؤادي تلعبين بـه .. فكيف يلعب بالإنسان إنسانـــا ...

فقلتُ في نفسي لولا أن أم عمرو هذه ما في الدنيــا أحسن منها جمالاً ووصفاً ما قيل فيها هذا الشعر .. فعشقتها ..
فلما كان منذ يومين .. مر ذلك الرجل بعينه وهو يقول :

 لقد ذهب الحمـــار بأم عمرو .. فلا رجعت ولا رجع الحمــار ..

 فعَلمتُ أنها ماتت فحزنتُ .. وأغلقتُ الكتاّب "محل عمله"، وجلستُ في الدار ....
فقلتُ "والكلام للجاحظ": يا هذا، إني كنتُ قد ألفّت كتاباً في نوادركم يا معشر المعلمين، وكنتُ حين صاحبتك عزمت على تقطيعه ..
والآن قد قوّيت عزمي على إبقائه ..  وأول ما أبدأ بك ..
انتهي كلام الجاحظ رحمه الله ...

تُرى لهل لقصة هذا البيت نصيبٌ في أيامنا هذه ؟؟؟
أعتقد ذلك ...